أصول الحوار وآدابه في الإسلام
صالح بن عبدالله بن حميد
توطئة
أحمد
الله تبارك وتعالى ، وأصلي وأسلم على رسوله وخيرته من خلقه ، ومصطفاه من
رسله سيدنا محمد رسول الله ، بعثه بالحق بشيراً ونذيراً ، فبلغ الرسالة ،
وأَدّى الأمانة ، ونصح الأمة ، وجعلنا على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها
لا يزيغ عنها إلا هالك ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله الطيبين
الطاهرين ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى أصحابه أجمعين والتابعين ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
أيها الأخوة :
هذه كلمات في
أدب الحوار مُشتمِلَةٌ العناصر التالية : تعريف الحوار وغايته ، ثم تمهيد
في وقوع الخلاف في الرأي بين الناس ، ثم بيان لمُجمل أصول الحوار ومبادئه
، ثم بسط لآدابه وأخلاقياته .
سائلاً المولى العلي القدير التسديد والقبول ..
تعريف
الحوار : من المُحاورة ؛ وهي المُراجعة في الكلام .
الجدال
: من جَدَلَ الحبل إذا فَتَلَه ؛ وهو مستعمل في الأصل لمن خاصم بما يشغل
عن ظهور الحق ووضوح الصواب ، ثم استعمل في مُقابَلَة الأدلة لظهور أرجحها .
والحوار
والجدال ذو دلالة واحدة ، وقد اجتمع اللفظان في قوله تعالى : { قَدْ
سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي
إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ } (المجادلة:1) ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس : مناقشة
بين طرفين أو أطراف ، يُقصد بها تصحيح كلامٍ ، وإظهار حجَّةٍ ، وإثبات حقٍ
، ودفع شبهةٍ ، وردُّ الفاسد من القول والرأي .
وقد يكون من الوسائل في
ذلك : الطرق المنطقية والقياسات الجدليَّة من المقدّمات والمُسلَّمات ،
مما هو مبسوط في كتب المنطق وعلم الكلام وآداب البحث والمناظرة وأصول
الفقة .
غاية الحوار
الغاية
من الحوار إقامةُ الحجة ، ودفعُ الشبهة والفاسد من القول والرأي . فهو
تعاون من المُتناظرين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها ، ليكشف كل طرف
ما خفي على صاحبه منها ، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق .
يقول الحافظ الذهبي : ( إنما وضعت المناظرة لكشف الحقِّ ، وإفادةِ العالِم
الأذكى العلمَ لمن دونه ، وتنبيهِ الأغفلَ الأضعفَ ) .
هذه هي الغاية الأصلية ، وهي جليَّة بيِّنة ، وثَمَّت غايات وأهداف فرعية أو مُمهِّدة لهذا الغاية منها :
- إيجاد حلٍّ وسط يُرضي الأطراف .
- التعرُّف على وجهات نظر الطرف أو الأطراف الأخرى ، وهو هدف تمهيدي هام .
-
البحث والتنقيب ، من أجل الاستقصاء والاستقراء في تنويع الرُّؤى والتصورات
المتاحة ، من أجل الوصول إلى نتائج أفضل وأمْكَنَ ، ولو في حوارات تالية .